مقدمه
تُعتَبَر مُتلازمة داون Down Syndrome والمعروفة سابقاً بالمنغولية Mongolism، من أشهرِ أنواعِ الإعاقاتِ الذهنيةِ وأكثرُها إنتشاراً، وَمِن أكثرِ الإضطرابات ألنمائية تأثيراً في ألمجالات ألرئيسية للقدرات ألوظيفية. وحيث أضحى هذا الإضطراب هاجِساً كبيراً لِلآباء، والأمهاتِ ألحوامِل على وجهِ ألخصوص، وَكثرت ألأقاويل وألتحاليل في أوساطِ ألمجتمع عن حدوث وظهور هذه ألمشكله، قُمنا بإختيار هذا ألنوع من ألمتلازمات لِيَكونَ عِنواناً لِهذا ألبحث، والذي هَدَفْنا فيه إلى أن نُزَوِد ألقارئ بمراجعة واسعة لِميدان متلازمة داون، وبمعلومات معاصرة حول طبيعة هذا ألإضطراب وخصائصه. فتناولنا فيه مشكلة متلازمة داون من حيث تعريفها، أنواعها، خصائصها، تأثيرها على مجالات النمو المختلفة، وغيرها من المعلومات التي تُمَكِن هذا ألبحث من أن يكون دليلاً ومرجعاً علمياً بسيطاً لهذه ألظاهرة.
خلفيه نظريه
في عام 1866 سَلَطَ ألطبيب ألإنجليزي ألمعروف لانجدون داون Langdon Down ألضوء على نوعٍ جديدٍ من ألأمراض ظل مجهولاً زمناً طويلاً. ولم تًأخذ العالِم داون ألحيره كثيراً في إختيار إسم ألمرض، فقد أثبتت دراساتُه وأبحاثُه أوجُهَ ألشبهِ ألظاهرية بين ألمصابين بهذا ألمرض وبين أفراد ألجنس ألمنغولي. وبذلك سُمِيَ ألمصاب بالمنغولي، ولكن تجنباً لِلنظرة ألعرقية وإعتراض هذه ألشعوب، فإنه تَم إستبعاد هذه ألتسميه، وَسُمي بِمتلازمة داون (شريت، 2000).
أما بالنسبة لماهية هذا ألمرض، فقد عَرََّفَ جعفر (2002) متلازمة داون على أنها، "مرض رَئيسي وِراثي لِلتخلف ألعقلي، مرتبط بثالوث 21، ونتج عن وجود صبغيه إضافيه في ألزوج 21، فيكون عدد ألصبيغيات في ألخلية 47 بدلاً من ألعدد ألطبيعي 46" (ص. 176).
أما حياتي (1995) فقد أشار إلى أن، "ألأعراض ألتي تظهر على ألإنسان بسبب تمثيل ألكروموسوم رقم 21 ثلاث مرات بدلاً من مرتين تُعرَف بتناذُر داون" (ص. 135).
وقد عَرَّفَت ألشيخ (2004) متلازمة داون على أنها، "شذوذ في ألكروموزوم رقم 21 حيث ينقسم إلى ثلاث بدلاً من زوج واحد في ذلك ألكروموزوم فقط" (ص. 36).
أنواع متلازمة داون :
يمكن تصنيف متلازمة داون الى ثلاث مجموعات ، تُصَنَف على حَسَبِ ألتركيبة ألكروموسومية لكل مجموعة:
- ألتثليث ألحادي والعشرين: يحدث هذا ألإضطراب نتيجة وجود ثلاثة كروموسومات من رقم 21 بدلاً من إثنين بكل خلية من خلايا جسم ألمصاب، ويمثل هذا النوع 95% من مرضى متلازمة داون (الروسان، 2001).
- ألإلتصاق ألصبغي: هو صنف آخر من ألإضطراب ألكروموسومي ألمُسَبِب لِحالات ألداون، والذي يحدث عند إلتصاق أحد ألكروموسومات رقم 21 بكروموسوم آخر مثل: 14، 15 أو 22 (حلاوة، 1999).
- الفسيفسائي (Mosaic): يتمثل هذا ألنوع في وجود خليط من نوعين من ألخلايا، تحوي بعضها على 46 كروموسوماً وألبعض الآخر على 47 كروموسوما،ً وذلك نتيجة وقوع خطأ في إنفصال أحد إنقسامات ألخلية ألأولية بعد ألتلقيح (حمامي، 1999).
ألكشف عن حالات ألداون :
من ألمعروف أن معظم أطفال متلازمة داون يمكن ألتعرف إليهم بعد ألولادة مباشرةً، وذلك بسبب ألصفات الإكلينيكية ألسريرية للمرض. ويمكن ألتأكد مِنَ ألتشخيص عن طريق إجراء إختبار دم للطفل ألمُصاب. ولكن ألتطور ألهائل في مجال ألعلوم ألوراثية، أتاح ألفرصة لِمعرفةِ كثيرٍ من الأمراضِ وتشخيصها عن طريق ألتحاليل ألمخبرية ألتقليدية والكشف عنها قبل ألولاده (أحمد، 2002).
وفي مجال متلازمة داون، لا بُدَ مِن عمل بعض ألفحوصات وألتي بناءاً على نتائجها يتم تحديد ما إذا كان ألجنين مُصاباً أم لا، ومن هذه ألفحوصات:
أولاً: عمل موجات صوتيه متخصصة يتم فيها قياس سُمْكْ ألمنطقة ألرقبية للجنين، والتي قد تنبه الطبيب إلى احتمال إصابة ألجنين بمشاكل في ألكروموسومات عند زيادة سماكتها، وذلك في ألإسبوع ألعاشر وحتى ألرابع عشر من ألحمل.
ثانياً: سحب عينة دم من ألأم لقياس مستوى كل من: تحليل الألفا فيتو بروتين (Alpha Fetoprotein)، قياس مستوى هرموني ألإيستروجين ألغير مرتبط ( Unconjugated Estriol)، وهرمون الكريونك جونادو تروفين البشري(Human Chorionic Gonadotropin)، فإذا إختل مستوى هذه ألدلالات ألثلاث ألطبيعي والتي يطلق عليها
TRIPPLE MARKERS، فلا بُدَ في هذه الحالة مِن أخذ عينة من ألسائل ألأمنيوسي ألمحيط بالجنين، والتي يتم من خلال تحليلها معرفة عدد ألكروموسومات ألخاصة بالجنين، وبالتالي معرفة ما إذا كان ألجنين مُصاباً أم لا ("التعليم،" 2001).
صِفات وَخصائِص ذَوي متلازمة داون :
- ألصفات وألخصائص ألجسمية:
يَتَصِف ألوجه بالتشابُه مع وجوه سكان شرقي آسيا، فَمجرى العين يتجه إلى أعلى، مع تَسَطُح الأنف، وإمتداد ألجلد ليغطي ألزاوية ألداخلية للعين، مع صِغَر في حجم ألفم، وإرتفاع سقف ألفم، وبروز أللسان خارجه. كذلك يتصفون بِصِغَر في حجم ألأذن ألتي تكون مثنية إلى ألداخل. أما محيط ألرأس فيكون صغيراً مع تفلطُح مُؤخِرَتِهِ. إضافةً إلى صِغَر حجم أليدين، مع إعوجاج في إصبع ألبنصر، وإحتمال وجود خَط مًُستَعرَض باليد. أما ألعضلات فهي رخوه في معظم ألأحيان.
إضافتةً إلى أن ألعضو ألتناسلي للذكر ألداون غالباً ما يكون صغير ألحجم، وألخصي قد تغيب (ألقريطي، 1996).
وعادةً ما يعاني مُصابي ألداون من بعض ألتشوهات ألخُلُقِيَه، كأمراض ألقلب. إضافةً إلى أنهم قد يعانون وعلى الأغلب من مشاكل في ألسمع، وضعف النظر، وبعض أمراض الدم، ونقص إفراز ألغدة ألدرقية، ونقص ألمناعة (أسعد، 2001).
كذلك من ألجدير ذِكرُه أن ألداون ألذكر عقيم ، أما ألأنثى فقد تطمث وقد تحمل (حمامي، 1999).
- ألخصائص ألعقليه:
يُعاني مُصابي ألداون من تخلف عقلي، يُؤثر سلبياً على مَقدِرَتهم على ألتفكير، ألفَهم والتواصل.
فَيُظهِرونَ مشاكِل في دمج ألمعلومات ومعالجتها، فَمَثلاً يعاني ألمُصاب ألداون مِن صُعوبة في
ألتفكير ألمجرد، ويكون من ألصعب عليه تعميم معلومة إكتسبها، كذلك يَصعُب عليه تَذَكُر كلمات عديدة قيلت له والتصرف بِموجبها (حمامي، 1999).
ومن هنا فإن هذه ألفئه من ألأفراد لديها قُصور في ألقدرة على توليد إستجابات وأفكار جديدة، مما يدفعنا إلى ألإستنتاج بأن ألسلوك ألعفوي ألصادر من هذه ألمجموعة على ألأغلب محدود ويمتاز بالتكرارية (ألزريقات، 2004).
- ألخصائص ألإنفعالية وألإجتماعية:
حول سُلوك ألمصاب ألداون فهو عادةً ما يكونُ مسالماً وليس عدوانياً، لطيفاً وودوداُ، يميل إلى ألمرح والإنشراح والإستمتاع بالأشياء. كذلك فهو نشيط وإجتماعي يحب ألتقليد والمُداعَبَه. كما ويُفَضِل ألبقاء في الأمكنة ألمفتوحة حباً للحريةِ والإنطلاق (أحمد، 2002).
ألعامل ألوراثي في متلازمة داون :
رُغم أن متلازمة داون تنتقل عن طريق زيادة في ألمادة ألوراثية وألمتمثلة في ألكروموسومات، فإن مُعظم مرضى متلازمة داون لا يتم توريث ألمرض لهم من أحد ألوالدين، بل يتم عن طريق طفرة وراثية لا يعرفُ سببها بعد (حياتي، 1995).
ويَعتَمِد تِكرار متلازمة داون في ألدرجة ألأولى على عمر الأم. فهناك فرضية تربط بين تقدم ألأم بالسن وزيادة إحتمال إصابة ألطفل ألمولود بالمرض. ويمكن تعليل ذلك بأن ألبويضة تتقادم مع تَقَدُم ألمرأة في ألسن، فالمرأة تولَدُ وعدد ألبويضات ألموجودة في ألمبايض لديها ثابت، أي ان ألمرأة لا تُنتِج أثناء حياتِها بويضات جديدة (حمامي, 1999).
صعوبات ألتَعَلُم وَمُصابي ألداون :
يَنشأ ألطفل ألداون مُصاباً بإعاقة، تختلف درجتها بشكل قوي من طفل لآخر. بالرغم من هذه ألإعاقة، يستطيع مُصاب الداون أن يتعلم وأن يكتسب مهارات عديدة، وأن يحافظ مع مرور ألوقت على ما تعلمه (حمامي، 1999).
تنتج هذه الإعاقة ألعقلية عن خلل في ألصبغيات ألتي تُؤثر على وظائف ألمخ لدى مصاب
ألداون. وَنستطيع تقسيم مستوى ألذكاء لدى مصاب ألداون إلى ثلاثة فئات:
فئة ألإعاقة ألخفيفة: والتي يتراوح عامل ذكائها من ( 55 – 70 ).
فئة ألإعاقة ألمتوسطة: والتي يتراوح عامل ذكائها من ( 40 – 55 ).
فئة ألإعاقة ألشديدة: والتي يتراوح عامل ذكائها من ( 25 – 40 ).
ومِنَ ألجدير ذكره أن غالبية مرضى متلازمة ألداون تكون إعاقتهم خفيفة أو متوسطة (ألحديدي والخطيب، 2004).
يَلقى مصاب ألداون صعوبة كبيرة بسبب إعاقته ألعقلية في تعلم مهارات معقدة قد تحتاج لتفكيرٍ مجرد او لتحليلٍ دقيق، فهو مثلاً يستطيع تعلم ألنطق والكتابة والقراءة إنما في سنٍ متاخرةٍ نسبياً، وبعد تدريبٍ مكثف. إضافةً لهذا يمكن بالطرق ألتعليمية ألحديثة مساعدة ألطفل ألداون منذ نعومة أظافره على إكتساب مهارة ألنطق، وبالطريقة ذاتها يمكن لِهذا ألطفل أن يتعلم ألقراءة والكتابة. وقد توصل بعض من أطفال ألداون إلى مستويات مَكَنَتهُم مِن ألإلتحاقِ بمدارس ألأطفال ألطبيعيين (ألشيخ، 2004).
دراسات سابقة
لا يزالُ هذا ألإضراب ألكروموسومي ألمُسَمى بِتناذُرِ داون، مثيراً لِلجدل من حيث أسبابه.
إلا أنه لوحِظَت علاقة بين تَقَدُم عُمر ألأم وحدوث متلازمة داون. وَبِهَدَف ألتأكد من هذا ألإدعاء، قام الباحثون (Barber, Boyle, Gornall, Howe, & Wellesley, 2000)، بِمراقبة ألنساء ألحوامل في مشفى أمريكي لِمُدة ستة سنوات مُتتالية، حيث إكتشفوا وُجود علاقه طردية تربط بين تقدم سن ألأم خاصة ألتي يزيد عمرها عن خمسة وثلاثون عاماً، وَبين إحتمال إنجاب جنين مريض بالداون.
وفي دراسة أُخرى أجراها ألباحثون ميمون وَآخرون (מימון ואחרים، 2001)، تُأَكِد صحة ما ورد في ألدراسة ألسابقة، وبهدف إبراز إمكانية ألكشف عن ألمرض وتشخيصه في فترة متقدمة قبلَ ألولادة، أشار ألباحثون الى أهمية إجراء ألتحاليل والفحوصات ألمناسبة خلال ألحمل للتأكد من سلامة ألجنين. وَقد أشارت ألدراسة إلى أهمية ألقيام بإختبار ألأشعة ألصوتية في ألإسبوع ألعاشر حتى ألرابع عشر من ألحمل، والذي يُنَبِه ألطبيب إلى إحتمال إصابة ألجنين بِمشاكل في ألكروموسومات والصُبَيغِيات ألوراثيه، وألذي يقودنا إلى معرفة ما إذا كانت هناك حاجة بعد ذلك لإجراء ألفحوصات أللازمة للتشخيص أم لا، وذلك وفقاً لنتائج هذا ألإختبار.
وفي دراسة جاءت بهدف زيادة ألتوعية لدى أهالي مُصابي ذوي متلازمة داون، أشار ألباحِثَين ليف وملماد (לב ומלמד، 2002)، إلى ضرورة رعاية ألمُصابين ألداون منذ ألبداية. وذلك يرجع إلى أن ألإصابة بمرض ألداون قد يؤدي إلى تَفَرُع أمراض عصبية لدى ألمصاب، مثل: مرض ألزهايمر، جلطات دماغية، تَشَنُجات صرعية، وغيرها من ألأمراض ألتي قد تظهر لدى مصاب ألداون مع تقدم ألعمر.
وَعن ألأمراض ألملازمة لِمُصابي ألداون بعد ألولادة، فهي عديدة، وقد أظهرت ألدراسه أنهم أكثر عرضة للإصابة في ألإلتهابات ومشكلات ألقلب ومشكلات ألغدة ألدرقية، وغيرها من ألمشكلات ألمعقدة. قد تكون بعض هذه ألعيوب خفيفة كإستمرار توسع ألأنبوب ألشرياني، وقد تكون شديدة، كَإنتشاراً ألفتحة ألتي بين ألبطينين وبين ألأذنين أو كلاهما معاً، والتي تُسمى بالقناة ألبطينية وألأذينية، والتي يمكن ألكشف عنها عن طريق إجراء ألفحوصات كتخطيط ألقلب وأشعة ألصدر (See Chaoui et al, 2005).
أما بالنسبة لحياة مرضى ألداون ألجنسية فقد أثبتت ألدراسة ألتي أجراها ألباحثون
(Dyke, Brien, & Sherbondy, 1995)، أن مرحلة البلوغ قد تتأخر بعض ألوقت لدى ألذكور وألإناث معاً، وأن ألدورة ألشهرية لدى مُصابات ألداون تكون في ألأغلب خالية من ألتبويض، أما ألذكور فإن ألأعضاء ألتناسلية لديهم تكون صغيرة، كما ويصعب للغاية ألإنتصاب والقذف. كذلك فَتُبَيِن ألدراسة أنه من خلال تحليل ألسائل ألمنوي لِلداون ألذكور، تَبَيَنَ قِلَة عدد ألحيوانات ألمنوية، إضافةً إلى ضعفٍ في ألحركة، مما يجعل عملية ألإنجاب لديهم في غاية ألصعوبة. أما بالنسبة لِلمرأة ألداون فهي قادرة على ألزواج وألإنجاب في ظل وُجود إشراف عائلي، وظروف بيئية وإجتماعية مناسبة، مدعمةً بتنظيم يساعدها على ممارسة حياتها ألجنسية بشكل سليم.
كذلك فمن ألجدير ألذِكر بأن مشاكل ألتغذيه كثيرة ألحدوث في أطفال ذوي متلازمة داون في جميع مراحل حياتهم وخصوصاً في ألسنه ألأولى من ألعمر، مما يؤدي إلى عدم نمو ألطفل سواءاً في ألطول أو ألوزن، وهو ما يؤثر على نموه ألحركي والفكري. ومن أجل إظهار أسباب هذا الضعف في ألتغذيه والنمو، قام ألباحث بيلكر (Pilcher, 1997)، بعمل دراسة قام من خلالها بالتطرق إلى ألسبب ألرئيسي لهذه ألظاهرة، وهو ألعيوب ألتي يعاني منها أطفال متلازمة داون في أفواههم والتي تؤدي إلى صعوبة في ألمضغ والبلع، مثل: عدم ألتمكن من إطباق ألفم عند ألمص والمضغ والبلع وذلك بسبب ألنمو ألضعيف للفكين وكبر حجم أللسان مقارنة بالفكين، إرتخاء في عضلات أللسان، عدم ألتوازن بين ألمضغ والبلع، شكل ألأسنان وحجمها. كذلك فقد أشارت الدراسة إلى ضرورة تعاون أطفال ذوي متلازمة داون مع طبيب الأسنان في وقتٍ مُبَكرٍ بعد ألولادة.
إضافةً إلى ما سبق، يزيدُ ألأمر تعقيداً وصعوبة، ألقصور ألعقلي ألذي يُصاحِب ذوي متلازمة داون. ففي دراسة قامت بها ألباحثتان سوبلمان وكلاين (סובלמן וקליין، 2003)، لِمعرفة ما إذا كان يعاني ذوي متلازمة داون من تأخر في ألنمو ألمعرفي، أم يعانون من إختلاف في نمو ألقدرات ألمعرفية لديهم، أظهرت ألدراسة ألتتبعيه لِ 76 طفل، 38 منهم من ذوي متلازمة داون والآخرون سليمين، وألذين تلقوا برامجاً لِلتدخل ألإثرائي، أن ألنمو ألمعرفي لِِهذه ألفئه مِنَ ألأفراد، أي ذوي متلازمة داون، أبطأ مِن ألأفراد غير ذوي الإعاقة ألعقلية.
هذا وقد أشارت الدراسة التي قام بها الباحثون لينجيل وآخرون (Lengyel et al, 2005)، إن ألأطفال ألداون يعانون من تخلف عقلي يؤثر سلبياً على مقدرتهم على ألتفكير، ألإدراك والتكلم. ويعود ذلك إلى تأثير ألخلل في ألصبغيات على وظائف ألمخ لدى ألمصاب ألداون. فطفل ألداون عادةً ما يتأخر في إكتساب جميع ألمهارات ألإنمائية، كالحركية والعقلية والنطق والتخاطب، مقارنةً بأقرانه ألعاديين. وقد يكون ألإهتمام بتنمية ألمهارات عن طريق ألتدخل ألمبكر كمحفز للنمو بشكل أفضل، من ألأمور ألتي تلعب دوراً فعالاً وإيجابياً في ألنمو ألعقلي لدى مُصابي ألداون.
وفي سبيل دَعم إتاحة ألفرصة للأطفال ألداون للإنخراط في ألحياة ألعادية، تطرقت ألدراسة التي أجراها ألباحثون (אונגר، קליין ורזאל، 2000) على عينة من ألأطفال ألمصابين بمرض ألداون، إلى أن هناك مهارات عديدة يمكن تنميتها لدى ألطفل ألمصاب، بدءاً من ألأشهر ألأولى من عمره، لِمساعدته على تحقيق توافق إجتماعي ودراسي أكبر.
وقد أثبتت هذه ألدراسة أن إكتساب هذه ألمهارات كالعلمية ألحركية وألإدراكية، في جيل مبكر، قد تساعد ألطفل فيما بعد على ألمشاركة بشكل صحيح في إطار ألبيئة ألمحيطة، وكذلك قد تزيد من إمكانية ألإستفادة في حين دَمجِهِ مع ألأطفال ألعاديين، وبهذا يستفيد ألطفل إجتماعياً.
ومن ألإضطرابات ألنمائيه ألمرافقة لمرضى ألداون (DS)، إضطراب ألطيف ألتوحدي (ASD)، والذي يتضمن إعاقة نوعية في ألتفاعل ألإجتماعي والتواصل.
يتم تشخيص هذا ألنوع من ألإضطرابات عن طريق تقييم سلوك الطفل، وذلك في ضوء ستة عشر عرضاً يقدمها دليل ألتصنيف ألتشخيصي وألإحصائي للأمراض والإضطرابات ألنفسية والعقلية في طبعته الرابعة (DSM-IV)، ألصادر عام 1994 عن الجمعية الأمريكية لِلطب ألنفسي APA.
وقد هدفت ألدراسه ألتي قام بها ألباحثون كابوني وآخرون (Capone, Grados, Jewell, Kaufmann, & Ripoll, 2005)، لإعطاء تقرير لسلوك وإدراك 61 طفلاً يعانون من
DS + ASD حسب معايير أل DSM-IV.
وكانت ألنتيجه أن ألأشخاص ألذين يعانون من كلا ألإضطرابين، يمكن فَصلُهُم عن ألذين يعانون فقط من مرض ألداون، حسب قائمة ألسلوك ألشاذ (ABC).
ألتطبيقات ألتربوية
تُعَرَّف ألتربية ألخاصة على أنها مجموعة ألبرامج ألتربوية ألمتخصصة ألتي تُقَدَم لفئات من ألأفراد غير ألعاديين، وذلك من أجل مُساعدتهم على تنمية قدراتهم إلى أقصى حدٍ ممكن، وتحقيق ذواتهم، ومساعدتهم على ألتكيف.
تعتمد فعالية ألبرامج ألتربوية على أساسين: نوعية ألبرنامج وطرق ألتعليم ألمستخدمة لتنفيذه، وقد تكون طرق ألتعليم أكثر أهمية من ألبرامج، ومن أهم ألطرق طرق تعديل ألسلوك، وتشمل عملية تعديل ألسلوك على تخطيط وتنفيذ إجراءات عملية تهدف إلى ضبط ألظروف ألبيئية ذات ألعلاقة بالسلوك تبعاً للطرائق ألموضوعية ألمنظمة:
أ) تحديد ألمشكلة ألسلوكية: تتمثل هذه ألخطوة بالتحقق من وجود سلوك بحاجة الى تعديل.
ب) تعريف ألسلوك ألمُستهدَف: يتم به تحديد ألأهداف ألمتوخاة على هيئة نتاجات سلوكية واضحة، من أجل تحديد ألمعايير ألتي سيتم في ضوئها ألحكم على فاعليته.
ت) قياس ألسلوك ألمستهدف.
ث) تصميم برامج تعديل ألسلوك: بعد جمع ألبيانات وألتأكد من أن ألطفل لديه مشكلة سلوكية بحاجة إلى علاج، يجب إختيار أساليب تعديل ألسلوك أللازمة لتحقيق ألأهداف ألعلاجية.
ح) تنفيذ برامج تعديل ألسلوك.
ج) تقديم فاعلية برامج تعديل ألسلوك: يُشَكل ألتقييم صمام ألأمان في ألحكم على فاعلية أي برنامج. ولكي يكون تقييم ألبرنامج عملياً لا بُدَ من إستخدام أساليب ألقياس ألموضوعية ألتي يمكن ألإعتماد عليها، ومنها:
- ألتعزيز: تدعيم ألسلوك ألمناسب أو زيادة إحتمالات حدوثه من خلال إضافة مثيرات إيجابية أو إزالة مثيرات سلبية.
- ألقواعد ألسلوكية: ضبط ألسلوك عن طريق إيضاح ألسلوك ألمناسب وألمقبول.
- ألتغذية ألراجعة: تقديم معلومات تُوَضح ألأثر ألذي ينجم عن ألسلوك.
- ألإطفاء: تقليل ألسلوك تدريجياً من خلال إيقاف ألتعزيز.
- تعزيز ألسلوك ألمناسب.
- ألتوبيخ: ألتعبير عن عدم ألموفقة أو عدم ألرضا عن سلوك ألفرد بطريقةٍ لفظيةٍ.
كذلك فإن هذه ألبرامج ألتربوية بطرقها ألعديدة وأساليبها ألمتنوعة تتمثل قبل ألمدرسة من خلال ألتدخل ألمبكر، حيث أن ألمرحلة ألعمرية ألمبكرة مهمة لنمو ألطفل كان سليماً أو مُعاقاً، ففيها يَسهُل تعليم ألطفل ألمهارات كالحسية، ألإدراكية، ألمعرفية، أللغوية وألإجتماعية ألتي تُشَكِل بِمًُجملها ألقاعدة ألتي ينبثق عنها ألنمو ألمستقبلي. فالتدخل ألمبكر للأطفال ألمعاقين عقلياً في مرحلة ما قبل ألمدرسة مهم جداً لإعدادهم لمرحلة ألمدرسة، وتتجلى أهمية ألتدخل ألمبكر في دوره ألوقائي ألحيوي ألذي تتمثل فيه مساعدة ألطفل على: إكتساب ألأنماط ألسلوكية ألمقبولة إجتماعياً، إكتساب مهارات متنوعة للتعايش مع صعوبات ألحياة، تطوير مفهوم إيجابي عن ألذات وتنمية ألشعور بالقدرة على ألإنجاز، تطوير إتجاهات إيجابية نحو ألمدرسة وألتعليم.
بما أن ألأسرة هي ألشيء ألثابت في حياة ألطفل فإن ألتدخل ألمُبَكر ألفعال لا يتحق دون مساعدتهم، ومن أهم برامج ألتدخل ألمبكر:
- ألخدمات ألتي تُقَدَم في ألمنزل وألتي تهدف إلى تدريب ألوالدين على كيفية ألتعامل مع أطفالهم ألمعاقين.
- ألخدمات ألتي تُقَدَم في ألمراكز ألخاصة كالمستشفيات.
- برامج ألتدخل من خلال وسائل ألإعلام والتي تتم من خلال إستخدام وسائل ألإعلام ألمختلفة لتدريب أولياء ألأمور على كيفية ألتعامل مع أولادهم ذوي ألإحتياجات ألخاصة.
أما بالنسبة للبرامج ألتربوية ألعلاجية ألخاصة بالمرحلة ألمدرسية، فمن أهمها برامج ألدمج بين ألطلاب ألطبيعيين وألطلاب ذوي ألإعاقات ألمختلفة. ومن أساليب طرق ألدمج:
- ألفصول ألخاصة: وهي فصول في ألمدرسة ألعادية، ألمختصة بتعليم ذوي ألإحتياجات ألخاصه مع إعطائهم ألفرصة للتعامل مع أقرانهم ألعاديين أطول فترة ممكنة من أليوم ألدراسي.
- تقديم ألمساعدة داخل ألفصول ألعادية: حيث يلتحق ألطالب ذو ألإحتياجات بالفصل ألعادي مع تقديم ألخدمات أللازمة له داخل ألفصل.
- ألدروس ألمشتركة: تتمثل في تعليم ألطفل مع ألإعاقه في صف خاص به ومحاولة دمجِهِ في نفس ألوقت في دروس معينة مع ألطلاب ألآخرون ألعاديون، كدمجهم في دروس ألرياضة، ألفن، ألأشغال، وغيرها من ألدروس ألترفيهية.
يُعَدُ ألدمج من أهم ألبرامج ألتربوية ألمساعدة للأطفال ذوي ألإعاقات، حيث أنه يتيح ألفرصة لهؤلاء ألأفراد للتعليم ألمتكافئ وألمتساوي مع أقرانهم ألعاديين، كذلك فيتيح لهم ألفرصة للإنخراط في ألحياة ألعادية وألتفاعل مع ألأخرين.
كذلك يجب مراعاة ألبرنامج ألتربوي ألفردي، في جميع ألمراحل ألعمرية للمريض ألداون، فمما لاشك فيه أن هناك تبايناً بين ألحالات ألتي تعاني من متلازمة داون، فكل حالة لها ظروفها وقدراتها وإمكانياتها ألتي تختلف بها عن ألحالات ألأخرى، لذلك من ألأفضل التعامل في ألعلاج مع كل حالة على حده، وذلك من أجل ضمان حُصول ألطفل ألمعاق على أكبر قدر ممكن من حاجاته ألفردية.
ألإستنتاجات
متلازمة داون، إعاقة معرفية ناتجة عن إضطراب جيني في ألكروموسوم رقم 21، تُصاحِبُها إعاقات مختلفة في ردة ألفعل ألإجتماعي وإعطاء ألإنتباه والتواصل. يُمكِن ألكشف عنها بَعدَ ألولادة مباشرةً من خلال ألأعراض ألظاهرة على ألطفل، كما وَتُمَكننا ألتحاليل ألمخبرية وَألإختبارات ألروتينية ألتي تُجريها ألمرأه خلال ألحمل، من ألكشف عن ألمرض وتشخيصه قبل ألولاده، وذلك لإعطاء فرصة إيقاف ألحمل.
يقولون: تعددت ألأسباب وألنتيجة واحدة، إلا أنه في هذا ألنوع من ألمتلازمات يَصِحُ ألقول: جُهِلَت ألأسباب وألنتيجة واحدة. وبالرغم من أن غالبية ألإعاقات ألعقلية ألتي تلازم ألإنسان منذ ألولادة تعود بمصدرها إلى أسباب وراثية، إلا أن متلازمة داون وما تَصحَبهُ من إعاقة عقلية لا يمكن تصنيفها كمرض وراثي في 95% من ألحالات. وقد أثبتت ألدراسات وجود علاقة بين تقدم ألحامل في ألسن وبين إزدياد نسبة حدوث مرض ألداون عند ألجنين، وعلى ألأغلب يخص هذا ألحديث ألنساء ألحوامل أللواتي بَلَغنَ ألخامسة وألثلاثين من ألعمر.
تُعَدُ متلازمة داون من أعقَدِ ألمتلازمات ألتي قد ترافق إلإنسان، ومن أكثر ألإضطرابات ألجينية ألتي قد تحدت لديه. لِهذا فنحن ننصح كل حامل بإقامة جميع ألفحوصات وألإختبارات ألروتينية أثناء ألحمل، وذلك تفادياً لمواقف لا يُحمَدُ عُقباها قد تُصادفها بعد ألولادة عندما تَجِدُ نفسها أمام طفلٍ مُصابٍ بمتلازمةٍ لا أريد وصفَها إلا بالقول عنها أنها "متلازمة داون".
تُعتَبَر متلازمة داون من أنواع ألإعاقات ألعقلية ألناتجة كما ذكرنا عن إضطراب جيني، إلا أن أللإضطراب أو ألخلل ألمُسَبِب لهذه ألإعاقة يمكن أن يسبب كذلك لإعاقات خلقية أخرى ترافق ألمُصاب ألداون بعد ألولادة كألتشوهات في ألقلب. كذلك فقد تتفرع من هذا ألمرض أمراض أخرى كثيرة مثل ألقصور في ألتَحَكُم ألحَركي بإلحواس. كذلك فإن هذه ألإعاقة غالباً ما تؤثر في مجالات ألنمو ألمختلفه لدى ألمُصاب كالجسمية، ألإنفعالية، ألحركية، ألإجتماعية، أللغوية وألشخصية، والتي يكون ألمُصاب في غِناً عنها.
ومن ألجدير ذِكرُه أنه حتى ألآن لم يَتَوَصل ألخُبراء وألمُختصين إلى علاجٍ شافٍ لهذا ألمرض. إلا أنه في ألسنوات ألأخيرة، نرى إهتماماً مُتزايداً في ميدان ذوي ألإحتياجات ألخاصة، وألذي يتمثل في تطور البرامج ألتربوية ألعِلاجية لِلمُصابين ذوي ألإعاقات ألمختلفة، كبرامج ألتدخل ألمبكر، ألدمج وألبرنامج ألتربوي ألفردي.
ألمصادر
1) أحمد، س. ك. (2002). سيكولوجية ألأطفال ذوي ألإحتياجات ألخاصه. ط2. ألقاهره: مركز ألإسكندرية للكتاب.
2) ألتعليم وألإحتواء. (2002). ألقاهره: (آي.إس.إم).
3) جعفر، غ. (2002). ألأمراض ألعصبية وألنفسية. ط1. لبنان: دار ألمناهل.
4) ألحديدي، م. ألخطيب، ج. (2004). للأطفال ألمعاقين. ط1. عمان: دار ألفكر.
5) حلاوة، م. أ. (1999). ألتخلف ألعقلي. ألإسكندرية: رياض ألأطفال.
6) حمامي، ع. ق. (1999). تعليم ألنطق للأطفال ألمنغوليين. ط1. حلب: فُصِلَت.
7) حياتي، أ. أ. (1995). مقدمه في علم ألوراثه. ألقاهره: مكتبة ألخانجي.
8) ألروسان، ف. (2001). سيكولوجية ألأطفال غير ألعاديين. ط5. عمان: دار ألفكر.
9) ألزريقات، أ. ع. (2004). ألتوحد. عمان: دار وائل.
10) سيلامي، ن. (مُعدون). (2001). ألمعجم ألموسوعي في علم ألنفس. (و. أسعد، مترجم). دمشق: وزارة ألثقافه.
11) شريت، أ. م. (2000). مَخاوِف ألأطفال ألمعاقين عقلياً. ألإسكندرية: ألمكتب ألعلمي للكمبيوتر.
12) ألشيخ، ج. ف. (2004). ألتقييم ألدينامي وألتقليدي. ط1. مصر: إيتراك.
13) ألقريطي، ع. أ. (1996). سيكولوجية ذوي ألإحتياجات ألخاصه وَتربيتهم. ط1. ألقاهره: دار ألفكر ألعربي.