نبدات تاريخية لجريمة الإجهاض
حاول الإنسان على مر العصور أن يتحكم في حدوث الحمل، وذلك باستخدام وسائل وطرق متنوعة، ولكنه عندما فشل في منع الحمل، حاول أن يتدخل في ظروف إتمامه وعندما باءت بالفشل تلك المحاولات لجأت بعض المجتمعات إلى قتل الأطفال.
فالإنسان يفكر أولا في منع الحمل، فإذا فشل في تحقيق غايته وتحقق الحمل عمل على إنهائه وإسقاطه، فإذا فشلت وسائله لإنهاء الحمل ونزل الوليد حيا، اتجه الإنسان في بعض المجتمعات – قديما – إلى قتل الوليد، ذلك هو التسلسل الزمني الذي صاحب الفكر الإنساني منذ القدم. و يهمنا من هذا التسلسل أنه يبين لنا العلاقة الوثيقة بين منع الحمل والإجهاض، إذن فالغاية من استعمال وسائل منع الحمل هي ذات الغاية في لجوء المرأة الحامل إلى الإجهاض.
فهي في الحالتين لا ترتب حملا، بأن تمنع وجوده أصلا، أو تتخلص منه إن وجد، وبغض النظر عن دواعي الإجهاض الأخرى، وبغض النظر عن دواعي الإجهاض الأخرى. كالإجهاض للتخلص من جنين مشوه أو لإنقاذ حياة الأم، أو صحتها البدنية والنفسية. فقد أشار جميع الأطباء المختصين في علم الولادة، والمهتمين بذلك الموضوع من علماء الاجتماع والقانون إلى أن معظم حالات الإجهاض سببها عدم رغبة الأم في استمرار الحمل، وأنها لا تريد حملا من البداية، وأن الحمل حدث رغما عنها نتيجة فشل وسيلة منع الحمل المستخدمة. ولذلك يعتقد المراقبون أنه لو وجدت وسائل فعالة لمنع الحمل، فإن ذلك سيؤدي إلى أن تنخفض حالات الإجهاض في جميع أنحاء العالم بنسبة ملحوظة، وربما كان أقدم تسجيل لوصفات وسائل منع الحمل تلك التي وجدت في القديم في برديات الكهنة المصريين والتي يرجع تاريخها إلى حوالي 1850 سنة قبل الميلاد و يعتبر كتاب:
( The Ebers Papyrus 1500) من أقدم الكتب في العالم بل ويعتقد أنه المرجع الأول في الكتابة عن الوصفات التي تمنع الحمل.[1]
ففكرة الإجهاض L’avortement ليست وليدة اليوم أو الأمس القريب ولكن تاريخها موغل في القدم، حيث تضرب بجذورها حتى تصل إلى عصر ما قبل التاريخ، حيث كان الإنسان البدائي يعيش على الفطرة، ويعتبر الأطفال ملكا له، إن شاء أبقاهم وإن شاء قتلهم.
وفي بعض الأحيان كانت تجرى للطفل اختبارات للقوة بمجرد ولادته والاطمئنان على مدى قوة تحمله، فإن كان قويا صحيحا بقي واستمر في الحياة، وإن كان ضعيفا هلك.
وإذا كانت تلك هي حالة الجنين بعد الولادة فإن الحال قبل الولادة لم تكن أفضل من ذلك، فقد كانت هناك وفي أغلب الأحوال إباحة مطلقة في إنهاء الحمل قبل الأوان والتخلص من الجنين كما أيد ذلك بعض فلاسفة اليونان أمثال "أفلاطون" وفي ذلك يقول في كتابه "الجمهورية": إن تعليم الأطفال يجب أن يبدأ قبل الميلاد، مما يعني أنه ينبغي أن يولد في مناخ صحي ممتاز، أما "أرسطو" فيشير إلى أن الزيادة على العدد الكافي أو الولادة بعد الأربعين تستوجب التخلص من الحمل.[2]
وبالرغم من أن الإجهاض مورس ويمارس بصورة كبيرة، إلا أن كل المجتمعات والثقافات تحاول أن تسيطر عليه وتنظمه سواء من خلال الأعراف الاجتماعية، أو التقاليد الأخلاقية، أو المحرمات الدينية، أو القوانين والقواعد المنظمة، وفي مجموعات القوانين الخاصة ببعض الحضارات القديمة، التي ظهرت في جنوب وغرب آسيا من قرات بعيدة قبل المسيحية. عينت هذه الحضارات وعكس اهتمام المجتمع بمشكلة الإجهاض، التي ترجع في قدمها إلى قدم التفكير في موانع الحمل، ومن هذه القوانين مجموعة سومر (2000 سنة ق.م) ومجموعة القوانين الأشورية (1500 سنة ق.م).
وكان المجتمع الأشوري يتميز بأنه مجتمع منظم تنظيما عسكريا حربيا وبالتالي فالسلطة الحاكمة فيه تشجع على الإنجاب وكثرته لتزيد حجم المجتمع بزيادة عدد أفراده فيتمكن من مواصلة حروبه.
كما كانت هناك قوانين حمورابي( 1300 سنة ق.م) والقوانين الهندوسية (1200 سنة ق.م)، والقوانين الإيرانية (600 سنة ق.م)، فكل هذه القوانين عنيت بمشكلة الإجهاض العمدي، ومنعت وعاقبت كل فعل يؤدي إلى فقد الحمل الذي لم تحن ساعة ميلاده.[3]
أما المجتمع العربي في الجاهلية فقد كان متوغلا فيما هو أشد من الإجهاض وإسقاط الحمل، وإذ كانت كثير من القبائل العربية لا يرون خيرا في أن يدفن الأب ابنه أو ابنته، قبل أن يرى أيا منهما النور ويذوق لذة الحياة على ظهر الأرض ويقبل كسائر الناس على اقتطاف متعتها، وكان الآباء يفعلون ذلك عادة، خوفا من شبح الفقر، أو مبالغة في الغيرة على الأرض ثم جاء الإسلام فاختلفت المذاهب في حكم الإجهاض، فذهب الشافعية إلى إجازة الإجهاض خلال الأربعين يوما الأولى من بدء الحمل على أساس أن التخلق يبدأ بعد هذه المدة، فأجازوا الإجهاض قبلها، أو هو على أقصى تقدير مكروه كراهة تنزيهية، وحرموا الإسقاط بعد تلك المدة.
فذهب الحنفية والحنابلة إلى إجازة الإجهاض قبل نفخ الروح وعندهم أن الروح تنفخ في الجنين بعد 120 يوما من بدء الحمل، حيث لا يجوز بعد تلك المدة إسقاط الحمل، فالجنين بعد مرور 120 يوما يصبح نفسا بشرية لا يجوز الاعتداء عليها تحت أي ظرف من الظروف.
وذهب المالكية ومعهم الإمام أبي حامد الغزالي إلى القول بحرمة الإجهاض ولو لم يمر على بدء الحمل أربعون يوما إلا أنهم يأخذون بمبدأ الشرع في العقاب. فمن يتسبب في إسقاط حمل في شهره الأول ليس كمن يتسبب في إسقاط حمل في شهره الثامن.[4]
وعموما فقد مرت فكرة الإجهاض بتطورات عديدة عبر مراحل التاريخ المختلفة. واختلفت بصددها الشرائع والآراء في اختلاف المجتمع الذي توجد فيه حتى وصلت إلينا بحالتها الراهنة.
حاول الإنسان على مر العصور أن يتحكم في حدوث الحمل، وذلك باستخدام وسائل وطرق متنوعة، ولكنه عندما فشل في منع الحمل، حاول أن يتدخل في ظروف إتمامه وعندما باءت بالفشل تلك المحاولات لجأت بعض المجتمعات إلى قتل الأطفال.
فالإنسان يفكر أولا في منع الحمل، فإذا فشل في تحقيق غايته وتحقق الحمل عمل على إنهائه وإسقاطه، فإذا فشلت وسائله لإنهاء الحمل ونزل الوليد حيا، اتجه الإنسان في بعض المجتمعات – قديما – إلى قتل الوليد، ذلك هو التسلسل الزمني الذي صاحب الفكر الإنساني منذ القدم. و يهمنا من هذا التسلسل أنه يبين لنا العلاقة الوثيقة بين منع الحمل والإجهاض، إذن فالغاية من استعمال وسائل منع الحمل هي ذات الغاية في لجوء المرأة الحامل إلى الإجهاض.
فهي في الحالتين لا ترتب حملا، بأن تمنع وجوده أصلا، أو تتخلص منه إن وجد، وبغض النظر عن دواعي الإجهاض الأخرى، وبغض النظر عن دواعي الإجهاض الأخرى. كالإجهاض للتخلص من جنين مشوه أو لإنقاذ حياة الأم، أو صحتها البدنية والنفسية. فقد أشار جميع الأطباء المختصين في علم الولادة، والمهتمين بذلك الموضوع من علماء الاجتماع والقانون إلى أن معظم حالات الإجهاض سببها عدم رغبة الأم في استمرار الحمل، وأنها لا تريد حملا من البداية، وأن الحمل حدث رغما عنها نتيجة فشل وسيلة منع الحمل المستخدمة. ولذلك يعتقد المراقبون أنه لو وجدت وسائل فعالة لمنع الحمل، فإن ذلك سيؤدي إلى أن تنخفض حالات الإجهاض في جميع أنحاء العالم بنسبة ملحوظة، وربما كان أقدم تسجيل لوصفات وسائل منع الحمل تلك التي وجدت في القديم في برديات الكهنة المصريين والتي يرجع تاريخها إلى حوالي 1850 سنة قبل الميلاد و يعتبر كتاب:
( The Ebers Papyrus 1500) من أقدم الكتب في العالم بل ويعتقد أنه المرجع الأول في الكتابة عن الوصفات التي تمنع الحمل.[1]
ففكرة الإجهاض L’avortement ليست وليدة اليوم أو الأمس القريب ولكن تاريخها موغل في القدم، حيث تضرب بجذورها حتى تصل إلى عصر ما قبل التاريخ، حيث كان الإنسان البدائي يعيش على الفطرة، ويعتبر الأطفال ملكا له، إن شاء أبقاهم وإن شاء قتلهم.
وفي بعض الأحيان كانت تجرى للطفل اختبارات للقوة بمجرد ولادته والاطمئنان على مدى قوة تحمله، فإن كان قويا صحيحا بقي واستمر في الحياة، وإن كان ضعيفا هلك.
وإذا كانت تلك هي حالة الجنين بعد الولادة فإن الحال قبل الولادة لم تكن أفضل من ذلك، فقد كانت هناك وفي أغلب الأحوال إباحة مطلقة في إنهاء الحمل قبل الأوان والتخلص من الجنين كما أيد ذلك بعض فلاسفة اليونان أمثال "أفلاطون" وفي ذلك يقول في كتابه "الجمهورية": إن تعليم الأطفال يجب أن يبدأ قبل الميلاد، مما يعني أنه ينبغي أن يولد في مناخ صحي ممتاز، أما "أرسطو" فيشير إلى أن الزيادة على العدد الكافي أو الولادة بعد الأربعين تستوجب التخلص من الحمل.[2]
وبالرغم من أن الإجهاض مورس ويمارس بصورة كبيرة، إلا أن كل المجتمعات والثقافات تحاول أن تسيطر عليه وتنظمه سواء من خلال الأعراف الاجتماعية، أو التقاليد الأخلاقية، أو المحرمات الدينية، أو القوانين والقواعد المنظمة، وفي مجموعات القوانين الخاصة ببعض الحضارات القديمة، التي ظهرت في جنوب وغرب آسيا من قرات بعيدة قبل المسيحية. عينت هذه الحضارات وعكس اهتمام المجتمع بمشكلة الإجهاض، التي ترجع في قدمها إلى قدم التفكير في موانع الحمل، ومن هذه القوانين مجموعة سومر (2000 سنة ق.م) ومجموعة القوانين الأشورية (1500 سنة ق.م).
وكان المجتمع الأشوري يتميز بأنه مجتمع منظم تنظيما عسكريا حربيا وبالتالي فالسلطة الحاكمة فيه تشجع على الإنجاب وكثرته لتزيد حجم المجتمع بزيادة عدد أفراده فيتمكن من مواصلة حروبه.
كما كانت هناك قوانين حمورابي( 1300 سنة ق.م) والقوانين الهندوسية (1200 سنة ق.م)، والقوانين الإيرانية (600 سنة ق.م)، فكل هذه القوانين عنيت بمشكلة الإجهاض العمدي، ومنعت وعاقبت كل فعل يؤدي إلى فقد الحمل الذي لم تحن ساعة ميلاده.[3]
أما المجتمع العربي في الجاهلية فقد كان متوغلا فيما هو أشد من الإجهاض وإسقاط الحمل، وإذ كانت كثير من القبائل العربية لا يرون خيرا في أن يدفن الأب ابنه أو ابنته، قبل أن يرى أيا منهما النور ويذوق لذة الحياة على ظهر الأرض ويقبل كسائر الناس على اقتطاف متعتها، وكان الآباء يفعلون ذلك عادة، خوفا من شبح الفقر، أو مبالغة في الغيرة على الأرض ثم جاء الإسلام فاختلفت المذاهب في حكم الإجهاض، فذهب الشافعية إلى إجازة الإجهاض خلال الأربعين يوما الأولى من بدء الحمل على أساس أن التخلق يبدأ بعد هذه المدة، فأجازوا الإجهاض قبلها، أو هو على أقصى تقدير مكروه كراهة تنزيهية، وحرموا الإسقاط بعد تلك المدة.
فذهب الحنفية والحنابلة إلى إجازة الإجهاض قبل نفخ الروح وعندهم أن الروح تنفخ في الجنين بعد 120 يوما من بدء الحمل، حيث لا يجوز بعد تلك المدة إسقاط الحمل، فالجنين بعد مرور 120 يوما يصبح نفسا بشرية لا يجوز الاعتداء عليها تحت أي ظرف من الظروف.
وذهب المالكية ومعهم الإمام أبي حامد الغزالي إلى القول بحرمة الإجهاض ولو لم يمر على بدء الحمل أربعون يوما إلا أنهم يأخذون بمبدأ الشرع في العقاب. فمن يتسبب في إسقاط حمل في شهره الأول ليس كمن يتسبب في إسقاط حمل في شهره الثامن.[4]
وعموما فقد مرت فكرة الإجهاض بتطورات عديدة عبر مراحل التاريخ المختلفة. واختلفت بصددها الشرائع والآراء في اختلاف المجتمع الذي توجد فيه حتى وصلت إلينا بحالتها الراهنة.