دُوبَـامِــينْ .. مَا بَيْن الـخَياّل وَ الوَاقِع

pipssi

مراقبة عامة
إنضم
25 ديسمبر 2021
المشاركات
532
الإقامة
biskra
محبطةٌ أن أكُون بَيدقاً تُحَرِكَه يَد القَدر بَلا إِرَادَة أعِيش فِي مَعرَكَة لا تَخُصَنِي ، مُقَيدَةٌ بقَواعِد لَم أختَرهَا .

لَكِن مَاذَا لَوْ إنتَفَضْت وَ كَسِرت تِلْكَ القُيود ؟ رُبَمَا أجِد حِينَهَا ذَاتِي وَ حُرِيَتِي ...
 

pipssi

مراقبة عامة
إنضم
25 ديسمبر 2021
المشاركات
532
الإقامة
biskra
قَدْ يَصِلُ الْمَرْءُ إِلَى مَرْحَلَةٍ، يَهْجُرُ فِيهَا أَحْلَامَهُ، يَتَرَحَّمُ عَلَى شَغَفِهِ، الَّذِي مَاتَ مُنْذُ زَمَنٍ، فَلَا يَجِدُ إِلَّا فَرَاغًا بَارِدًا. تَمْضِي الْأَيَّامُ، مُكَرَّرَةً ذَاتَهَا، كَأَنَّهَا صَفْحَةٌ تُطْوَى لِتَعُودَ فَتُفْتَحَ مِنْ جَدِيدٍ، بِلَا تَغْيِيرٍ، بِلَا مَعْنًى. يَسْأَلُ نَفْسَهُ بِصَوْتٍ مُتْعَبٍ: "لِمَ وَصَلْتُ إِلَى هَذِهِ الْحَالِ؟" يُدْرِكُ مَوَاطِنَ السُّقُوطِ، يَرَى بِوُضُوحٍ يَدَ النَّجَاةِ، لَكِنَّهُ وَاقِفٌ عَلَى حَافَّةِ الْعَدَمِ، لَا شَيْءَ حَوْلَهُ سِوَى ظِلِّهِ، وَأَفْكَارِهِ الَّتِي تَتَقَاذَفُهُ كَأَمْوَاجِ بَحْرٍ لَا شَاطِئَ لَهُ...
 

pipssi

مراقبة عامة
إنضم
25 ديسمبر 2021
المشاركات
532
الإقامة
biskra
تَرَى الجَميع يَشتعل حَولك
وأَنتَ معهم ولَكنَّك سَاكِن لأنَّك بائِس
لا تُجيد لُغَة النواح والبكَاء،
تَشعُر بـ أَنَّك قَوي بـ شَكلٍ ضَعيف
بَينمَا الجَميع يَصفك بـ العَاقل.
هُنَا المشكلة والاحترَاق الفَوريّ،
هُنَا تَعرف بـ أَنَّ الدموع التّي لَن تَذرفهَا
تَحولَت لـ بنزينًا حَارقًا
يَحرُق كُلّ الكَلمات التّي أكَلتهَا عَمدًا.
تَكتَشِف سَخَافتك المَرَضيَّة
التّي لَم تُلاحظهَا لافتتَانِك بدَورِ القَوي السَاذج،
تَقِف حَائِر اليَدين بـ شبه ابتِسَامة جَليديّة مُخيفَة مُرعِبَة،
يَديك تَشمَل أَيدي الجَميع إِلا يَديك،
لا تُعَانق إِلا الغُبَار وكُلما ظَهرَت نَفسك رَاجيةً العِنَاق
كُلمَا تَراجعتَ وكَأنَّهَا عَدوتك الخَبيثَة.
هُنَا تَهدَأ رُوحك بـ الصَمت القَادح بـ الصُراخ وتَسير وحدك دُونهَا كَونهَا يئسَت
مِن مُحاولاتك البائِسَة لِـ قمعهَا.
تَقِف أَمَامهَا قَائِلاً ومَا السخَافة إِلا أَنَّنِي ضَحيتُ بـ نَفِسيِ لدَورٍ لَيسَ بـ دَوري ولقلوبٍ لا تُشبهُ قَلبِي.
تَصمُت تَضمَحِل تَستَكين تَصرُخ أَخيرًا ولَكن بِـ لُغةِ الصَمت لِـ تَسلُك طَريقًا جَديدًا مَليئًا بـ المَنطق الغَابِر.
 

pipssi

مراقبة عامة
إنضم
25 ديسمبر 2021
المشاركات
532
الإقامة
biskra
لَا أَعْلَمُ حَقًّا مَا هُوَ الشُّعُورُ الَّذِي يَتَخَبَّطُ دَاخِلِي...
رُبَّمَا لَسْتُ جَاهِزَةً لِخَوْضِ طَرِيقٍ قَدْ يَنْتَهِي بِالْفَقْدِ، لَكِنَّنِي أَيْضًا لَا أَسْتَطِيعُ اخْتِيَارَ الِاسْتِسْلَامِ.

أَقِفُ فِي الْمُنْتَصَفِ، لَا أَمْلِكُ يَقِينًا يُطَمْئِنُ قَلْبِي، وَلَا شَجَاعَةً تُزِيلُ خَوْفِي.

كُلُّ مَا أُرِيدُهُ هُوَ أَنْ أَتَوَقَّفَ عَنْ قَطْعِ طُرُقٍ لَا أَعْرِفُ نِهَايَتَهَا، بِهَذِهِ الْبَسَاطَةِ وَبِهَذَا التَّعْقِيدِ ... أُرِيدُ أَنْ أَكُونَ قَوِيَّةً بِمَا يَكْفِي لِلْمَضِيِّ قُدُمًا، لَكِنْ تُخِيفُنِي أَنْ تَكُونَ النِّهَايَةُ حَزِينَةً.

أَمَالِي بِالطَّرِيقِ؟ فَهَلْ سَتَأْخُذُنِي خُطُوَاتِي نَحْوَ مَا أُرِيـدْ؟ أَمْ سَتَتَبَعْثَرُ؟

أَمَا آنَ لِلْحَيَاةِ أَنْ تَبْتَسِمَ لَنَا لِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ فَقَطْ؟! ...
 

pipssi

مراقبة عامة
إنضم
25 ديسمبر 2021
المشاركات
532
الإقامة
biskra
لم يَخطُرْ ببالي أنَّ ذلكَ اليومَ سَيَحملُ ليِ انتِظارًا لا يُشبهُ أيَّ انتِظارٍ، أنَّ خُروجك مِنَ المَنزِلِ سَيُصبِحُ نُقطةً فاصلةً بَينَ الطُّمأنينةِ والقَلَقِ، بَينَ العادَةِ والاختِبارِ. خَرَجتُ مُطمَئِنًا، واثِقةً أنَّكَ سَتَعودُ كَما تَفعَلُ دائمًا، كَما اعتَدتَ أنْ تَفعَلَ… لكِنَّكَ لَمْ تَعُدْ.

كانَ أذانُ العِشاءِ يَملأُ الأُفُقَ، وَأنَا جالِسةٌ أترقَّبُ خُطواتِكَ عَلَى العَتَبَةِ، أبحَثُ فِي الصَّمتِ عَنْ صَوتِكَ، فِي الظَّلامِ عَنْ ظِلِّكَ، لَكِنَّ اللَّيلَ مَضَى بَطيئًا، ثَقيلًا، وَلَمْ تَأْتِ. أشرَقَتِ الشَّمسُ، وَحَمَلَ مَعَها الصَّباحُ خَيبَتي الجَديدةُ… لَمْ تَكُنْ هُنا.

مَرَّتِ الأيَّامُ، وَأنَا عالِقةٌ فِي دَوَّامَةِ الغِيابِ، مُحاصَرةٌ بأسئِلَةٍ لا إجابَةَ لَها، بِانتِظارٍ يَثقُلُ صَدري، بِشَوقٍ يَنهَشُني مِنَ الدَّاخِلِ. كانَ قَلبي يَتَفَطَّرُ كُلَّ يَومٍ لِرُؤيَتِكَ، لِسَماعِ صَوتِكَ، لِأضُمَّكَ إِلَى صَدري وَلَوْ لَحظَةً… لَكِنْ لَمْ يَحدُثْ أَيٌّ مِنْ هَذا. كُنتُ عاجِزةٌ ، كأنَّ الحَياةَ قَيَّدَتْ يَدَيَّ، وَلَمْ يَكُنْ لي سِوَى الدُّعاءِ.

كُنتُ أرفَعُ كَفِّي إِلَى السَّماءِ، أرجُو اللَّهَ بِحُرقَةٍ، أُخبِرُهُ بِكُلِّ ما يَعصِفُ بِقَلبي، بِكُلِّ هَذا الخَوفِ الَّذي يَتَمَلَّكُني، بِكُلِّ هَذا الشَّوقِ الَّذي يُنهِكُني. كُنتُ أُوقِنُ أنَّ اللَّهَ يَسمَعُ، أنَّ رَحمَتَهُ أقرَبُ إِلَيَّ مِنْ كُلِّ هَذا الألَمِ، أنَّ الأبوابَ المُغلَقَةَ فِي الأرضِ، تُفتَحُ فِي السَّماءِ.

استَنَدتُ عَلَى أَخي، وَجُبنا الطُّرُقاتِ بَحثًا عَنكَ، فِي كُلِّ زاوِيَةٍ كُنتُ أَتَمَنَّى أَنْ أَجِدَكَ، أَنْ أَسمَعَ أَحَدَهُمْ يُخبِرُني عَنكَ، لَكِنَّنا كُنا نَعودُ كُلَّ مَرَّةٍ مَحمُولِينَ بِخَيبَةٍ جَديدةٍ، وَكَأَنَّ الحَياةَ تُصِرُّ عَلَى اختِباري أَكثَرَ… وَرَغمَ ذَلِكَ، لَمْ يَنطَفِئْ أَمَلي، كانَ بِداخِلي إحساسٌ يَشُدُّني نَحوَ اليَقينِ، يُخبِرُني أَنَّ اللِّقاءَ قادِمٌ، أَنَّ اللَّهَ لَنْ يُخْذِلَني، لَنْ يَتْرُكني وَحدي مَعَ أَفْكَاري الَّتي بَدَأَتْ تُحاصِرُني.

ثُمَّ جاءَ ذَلِكَ اليَومُ… ذَلِكَ اليَومُ الَّذي أَبْدَلَ كُلَّ لَيالِي الحُزْنِ بِفَرْحَةٍ لَمْ أَشْعُرْ بِها مِنْ قَبْلُ. جاءَ شَخْصٌ يَحْمِلُ بُشْرَى، بُشْرَى جَعَلَتْ قَلْبِي يَخْفِقُ بِقُوَّةٍ، جَعَلَتْني أَرْتَجِفُ بَيْنَ الفَرَحِ وَالذُّهُولِ، بَيْنَ التَّصْدِيقِ وَالدُّمُوعِ… بُشْرَى كانَتْ كَأَنَّها وِلادَةٌ جَديدةٌ، كَأَنَّها طَوْقُ نَجَاةٍ امتَدَّ لِي مِنَ السَّماءِ.

وَقْتَها، أَيْقَنْتُ أَنَّ الدُّعاءَ لا يُتْرَكُ، وَأَنَّ اللَّهَ لا يُخْذِلُ مَنْ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِهِ. أَنَّ كُلَّ تِلْكَ اللَّيَالِي الَّتي قَضَيْتُها أَطْرُقُ بَابَهُ لَمْ تَكُنْ إِلَّا مَدْخَلًا لِهَذِهِ اللَّحْظَةِ، لِهَذِهِ الفَرْحَةِ. الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذي لَمْ يَتْرُكْنِي، الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذي رَدَّنِي إِلَيْهِ مُسْتَجَابَ الدُّعَاءِ، مَغْمُورةً بِالرِّضَا، غَارِقًةً فِي الِامْتِنَانِ.
 

pipssi

مراقبة عامة
إنضم
25 ديسمبر 2021
المشاركات
532
الإقامة
biskra
أنْ تَعيشَ وَسْطَ قَلَقٍ لا يَهدَأُ، أَنْ تَشْعُرَ بِانْعِدَامِ الأَمَانِ وَكَأَنَّ الأَرْضَ مِنْ تَحْتِكَ هَشَّةٌ، قَابِلَةٌ لِلانْهِيَارِ فِي أَيِّ لَحْظَةٍ… هَذَا لَيْسَ خَوْفًا عَابِرًا، بَلْ سِجْنٌ غَيْرُ مَرْئِيٍّ، يُحِيطُ بِكَ مِنْ كُلِّ الجِهَاتِ، يُكَبِّلُكَ، يَسْرِقُ مِنْكَ رَاحَتَكَ، يُحَوِّلُ حَيَاتَكَ إِلَى سَاحَةِ مَعْرَكَةٍ لا تَنْتَهِي. تُصْبِحُ دَائِمَ التَّوَتُّرِ، تَنْتَظِرُ الأَسْوَأَ حَتَّى قَبْلَ أَنْ يَحْدُثَ، تَحْسِبُ لِكُلِّ خُطْوَةٍ أَلْفَ حِسَابٍ، تَتَوَجَّسُ مِنَ القَادِمِ، كَأَنَّكَ تَتَرَقَّبُ ضَرْبَةً خَفِيَّةً سَتَسْقُطُ عَلَيْكَ فِي أَيِّ وَقْتٍ. لا هُدُوءَ، لا طُمَأْنِينَةَ، فَقَطْ دَائِرَةٌ لا مُتَنَاهِيَةٌ مِنَ التَّفْكِيرِ المُفْرِطِ، القَلَقِ، وَالرَّهْبَةِ مِنَ المَجْهُولِ.

فِي ظِلِّ هَذَا الضَّغْطِ، لا تَعُودُ نَفْسَكَ الَّتِي تَعْرِفُهَا. تَتَحَوَّلُ إِلَى شَخْصٍ غَرِيبٍ عَنْكَ، تَتَبَدَّلُ طِبَاعُكَ، تُصْبِحُ أَكْثَرَ عَصَبِيَّةً، أَكْثَرَ تَهَوُّرًا، كَأَنَّكَ تُحَاوِلُ دَفْعَ كُلِّ هَذَا الشُّعُورِ بَعِيدًا بِأَيِّ طَرِيقَةٍ. تَغْضَبُ بِسُرْعَةٍ، تَشْتَعِلُ لِأَتْفَهِ الأَسْبَابِ، وَتَشْعُرُ أَنَّ دَاخِلَكَ بُرْكَانٌ لا يَهْدَأُ، بَيْنَمَا فِي الحَقِيقَةِ، كُلُّ مَا تُرِيدُهُ هُوَ قَلِيلٌ مِنَ الأَمَانِ، قَلِيلٌ مِنَ الطُّمَأْنِينَةِ الَّتِي تُشْعِرُ قَلْبَكَ بِأَنَّهُ فِي مَأْمَنٍ، بِأَنَّهُ لَيْسَ بِحَاجَةٍ إِلَى أَنْ يَكُونَ فِي حَالَةِ تَأَهُّبٍ دَائِمَةٍ.

التَّفْكِيرُ لا يَرْحَمُكَ، يَتَسَلَّلُ إِلَى أَدَقِّ التَّفَاصِيلِ، يَجْعَلُكَ تَرَى الاحْتِمَالَاتِ المُخِيفَةَ قَبْلَ أَنْ تَرَاهَا الحَيَاةُ نَفْسُهَا. تَسِيرُ وَأَنْتَ مُحَاصَرٌ بِالهَوَاجِسِ، تَسْتَنْزِفُكَ السِّينَارْيُوهَاتُ الَّتِي تَكْتُبُهَا فِي عَقْلِكَ، تَقْضِي اللَّيْلَ وَأَنْتَ تُحَلِّلُ وَتُفَكِّرُ، تَدُورُ فِي دَوَائِرَ مُغْلَقَةٍ، كَأَنَّكَ تُحَاوِلُ فَكَّ شِيفْرَةِ الحَيَاةِ قَبْلَ أَنْ تُفَاجِئَكَ بِشَيْءٍ لَمْ تَحْسِبْ حِسَابَهُ. أَنْتَ تَعِبْتَ، لَكِنَّ عَقْلَكَ لا يَعْرِفُ كَيْفَ يَتَوَقَّفُ. كُلُّ شَيْءٍ حَوْلَكَ يَبْدُو كَأَنَّهُ يُهَدِّدُ تَوَازُنَكَ، وَأَنْتَ تَقِفُ عَلَى حَافَّةِ هَاوِيَةٍ، تَخْشَى أَنْ تَخْطُوَ خُطْوَةً خَاطِئَةً فَتَسْقُطَ، لَكِنَّ البَقَاءَ فِي مَكَانِكَ مُرْهِقٌ أَيْضًا، وَكَأَنَّكَ بَيْنَ نَارَيْنِ، لا تَجِدُ لِنَفْسِكَ مَهْرَبًا.

أَدْرَكْتُ مُنْذُ وَقْتٍ طَوِيلٍ أَنَّنِي لا أَسْتَطِيعُ العَيْشَ فِي بِيئَةٍ يَغْمُرُهَا القَلَقُ، حَيْثُ يُصْبِحُ الهُدُوءُ حُلْمًا بَعِيدَ المَنَالِ. كُلُّ تَغْيِيرٍ بَسِيطٍ قَدْ يَكُونُ كَارِثَةً بِالنِّسْبَةِ لِي، كُلُّ اضْطِرَابٍ وَلَوْ كَانَ صَغِيرًا قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُزَلْزِلَ اسْتِقْرَارِي، أَنْ يَجْعَلَنِي أَعِيشُ حَالَةً مِنَ الفَوْضَى الدَّاخِلِيَّةِ الَّتِي لا تَهْدَأُ. لَسْتُ مِمَّنْ يَتَقَبَّلُونَ المُفَاجَآتِ بِسُهُولَةٍ، لا أَسْتَطِيعُ العَيْشَ فِي فَوْضَى غَيْرِ مَحْسُوبَةٍ، لا أَتَحَمَّلُ أَنْ أَكُونَ فِي حَالَةٍ دَائِمَةٍ مِنَ التَّرَقُّبِ. الحَيَاةُ الَّتِي أَبْحَثُ عَنْهَا لَيْسَتْ مِثَالِيَّةً، لَكِنَّنِي أُرِيدُهَا أَنْ تَكُونَ بَسِيطَةً، خَالِيَةً مِنَ التَّعْقِيدِ، خَالِيَةً مِنْ هَذَا القَلَقِ الَّذِي يَأْكُلُنِي مِنَ الدَّاخِلِ.
لَكِنَّ المُشْكِلَةَ لَيْسَتْ فِي أَنَّنِي أَبْحَثُ عَنْ رَاحَةٍ لا أَجِدُهَا، بَلْ فِي أَنَّ عَقْلِي لا يُمْنَحُنِي فُرْصَةً لِلرَّاحَةِ مِنَ الأَسَاسِ. يَدْرُسُ كُلَّ تَفْصِيلٍ، يُحَلِّلُ كُلَّ مَوْقِفٍ، يَضَعُ الاحْتِمَالَاتِ، وَالأَسْوَأُ دَائِمًا هُوَ الأَكْثَرُ حُضُورًا. وَالأَصْعَبُ مِنْ ذَلِكَ، أَنَّ الوَاقِعَ غَالِبًا مَا يَكُونُ قَاسِيًا بِمَا يَكْفِي لِيَجْعَلَ تَوَقُّعَاتِي تَتَحَقَّقُ، وَكَأَنَّ الحَيَاةَ تُصِرُّ عَلَى أَنْ تُثْبِتَ لِي أَنَّ الحَذَرَ لَمْ يَكُنْ كَافِيًا، وَأَنَّ قَلَقِي مُبَرَّرٌ أَكْثَرَ مِمَّا أَعْتَقِدُ. كَيْفَ يُمْكِنُنِي أَنْ أَتَجَاهَلَ أَفْكَارِي إِذَا كَانَتْ تَتَحَوَّلُ إِلَى حَقِيقَةٍ أَمَامِي؟ كَيْفَ أَهْرُبُ مِنَ التَّوَقُّعَاتِ إِذَا كَانَتْ كُلُّ مَرَّةٍ تُؤْلِمُنِي بِصِحَّتِهَا؟

حَاوَلْتُ كَثِيرًا أَنْ أُعِيدَ بَرْمَجَةَ نَفْسِي، أَنْ أُقْنِعَ ذَاتِي بِأَنَّ القَادِمَ قَدْ يَكُونُ أَفْضَلَ، أَنْ أَتَحَرَّرَ مِنْ هَذَا التَّفْكِيرِ الَّذِي يَسْتَنْزِفُنِي، لَكِنْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ، أَجِدُ نَفْسِي أَسِيرَةً لِهَذِهِ العَقْلِيَّةِ، وَكَأَنَّنِي فِي صِرَاعٍ أَبَدِيٍّ مَعَ ذَاتِي، وَفِي كُلِّ مَرَّةٍ، أَكُونُ الخَاسِرَةَ. لا أَسْتَطِيعُ لَوْمَ نَفْسِي، لَمْ أَخْتَرْ أَنْ يَكُونَ عَقْلِي بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ، لَمْ أَخْتَرْ أَنْ أَعِيشَ بِهَذِهِ الحِدَّةِ، وَلَكِنْ هَذَا مَا كُتِبَ لِي، وَهَذَا مَا أَنَا عَلَيْهِ.

وَحِينَ اسْتَنْزَفْتُ طَاقَتِي كُلَّهَا، وَجَدْتُ نَفْسِي أَمَامَ خِيَارٍ وَحِيدٍ: أَنْ أَتْرُكَ الأُمُورَ تَمْضِي كَمَا هِيَ، أَنْ أَسْتَسْلِمَ وَأَتَوَقَّفَ عَنْ مُحَاوَلَةِ السَّيْطَرَةِ عَلَى مَا لا يُمْكِنُ السَّيْطَرَةُ عَلَيْهِ. لَكِنْ حَتَّى حِينَ أَقُولُ ذَلِكَ، أَعْلَمُ أَنَّنِي لا أُصَدِّقُهُ تَمَامًا. أُحَاوِلُ أَنْ أُقْنِعَ نَفْسِي بِأَنَّنِي مُجَرَّدُ إِنْسَانَةٍ، بِأَنَّنِي لَسْتُ مَسْؤُولَةً عَنْ كُلِّ شَيْءٍ، بِأَنَّنِي مُسَيَّرَةٌ بِحِكْمَةِ اللهِ، وَلَكِنْ دَاخِلِي لا يَهْدَأُ، عَقْلِي لا يَصْمُتُ، وَقَلْبِي لا يَكُفُّ عَنِ الخَوْفِ. رُبَّمَا هَذِهِ هِيَ مَعْرَكَتِي، رُبَّمَا سَأَبْقَى دَائِمًا فِي حَالَةِ صِرَاعٍ مَعَ ذَاتِي، وَرُبَّمَا، فِي يَوْمٍ مَا، سَأَتَعَلَّمُ كَيْفَ أَتَقَبَّلُ كُلَّ هَذَا الضَّجِيجِ الَّذِي يَسْكُنُنِي…
 
أعلى أسفل