- إنضم
- 15 سبتمبر 2010
- المشاركات
- 45,376
- العمر
- 40
- الإقامة
- تلمسان
- هواياتك
-
كرة القدم، الشطرنج، كتابة الخواطر، المطالعة
- وظيفتك
-
موظف بقطاع التجارة
- شعارك
-
كن جميلا ترى الوجود جميلا
الأصـــدقــاء الــثــلاثــة
كان في مدينتنا قديما ثلاثة أصدقاء، طبعوا على الوفاء والتسامح والإخلاص. وكان كل واحد منهم يمدّ يد المعونة في حال عوزه أو فقره. كما كانوا لايفارق الواحد منهم الآخر. فمجالسهم واحدة، وسهراتهم واحدة، وأكثر أوقاتفراغهم يقضونها معا.وكان واحد من الثلاثة ميسور الحال، أقبلت عليه الدنيا، رغيد العيش، إلا أنهكان لا يحب أن يعيش هكذا وحده دون صديقيه. فغالباً ما كان يمدّ لهما يدالمساعدة من غير منّة أو كدر. وكان الصديقان لا ينسيان معروف صديقهما. فماإن يتوفر لدى أحد منهما المال حتى يعيده إلى ذلك الصديق الغني الميسور.
غير أن هذه الأمور غير ذات قيمة أمام العاطفة التي كان يظهرها كل منهمللآخر إذا ما أصيب بمرض أو مرّت عليه فترات حزن أو مصاعب. وهنا تعرفالصداقة عندما يبتعد الصديق عن أنانيته وحبه لذاته ويكون وفيّا ودودالصديقه. وبما أن الصديق الميسور لم يكن بحاجة إلى البحث عن عمل ليحصل رزقه،فقد بقي في هذه المدينة. أمّا صديقاه فودّعاه في يوم، وسافر كل منهما إلىمكان يسعى فيه وراء الرزق الحلال الشريف.
كان الوداع مؤثّرا. ثلاثة أصدقاء يودع الواحد منهم الآخر بعد أن عاشوا معافترة طويلة، وكل منهم يشعر أنه جزء من الآخر.
بقي الصديق الميسور في المدينة، وكان على غناه مبذراً، فظل ينفق دون أنيقيم وزنا لما لديه من مال، حتى رقّت حاشية ماله، وتبدّل الزمان معه،فانتقل من غنى إلى فقر، وباتت عائلته بحاجة إلى المال لتسدّ حاجة طعامهاوكسائها. ولكن من أين يأتي الصديق بالمال؟ فصديقاه الآخران قد رحلا، وليسله غيرهما في المدينة. فأمضى أكثر أوقاته حزينا يعاني ألم البعد وحسرةالفقر والحرمان.
وفي يوم قالت له زوجته: لماذا لا ترسل يا حامد رسالة إلى أحد صديقيك تخبرهفيها مدى حاجتك إلى المال؟
فقال حامد: إني أشعر بالخجل كلما فكرت في أمر كهذا.
فقالت الزوجة: غير أنك كنت تساعد كلا منهما في حالة ضيقه، ومن غير أن تشعرهأن لك عليه منّة، والصديق عند الضيق.
وراحت زوجته تلحّ عليه حتى أقنعته، فبعث برسالة إلى أحد صديقيه يطلب فيهابعض المال.
وصلت الرسالة إلى الصديق وحزن حزنا شديدا لحالة صديقه حامد، فأرسل إليهفوراً مبلغاً كبيراً من المال. ومرّت الأيام وإذا بالمال يصل إلى حامد،فيتسلمه مسرورا مقدّرا صنيع صديقه معه مؤكدا لزوجته أن صديقه وكما قالت له، وفيّ له كل الوفاء.
غير أن المال الذي وصل إلى حامد لم يبق طويلا لديه، إذ وصلته رسالة منصديقه الثاني يشكو له فيها قلة عمله، وحالة فقره وعوزه، ويطلب إليه فيها أنيمده بشيء من المال لأنه في غربة لا يعرف الناس فيها بعضهم بعضا.
رقّ قلب حامد على حال صديقه وأرسل إليه كل المال الذي كان قد تسلمه منصديقه. وعاد حامد إلى ما كان عليه من حاجة، وعادت عائلته تعاني ما تعاني منالجوع والفقر.
في هذه الأثناء، تقلبت الحال مع صديق حامد الذي طلبت زوجته أن يرسل إليهرسالة يطلب فيها مساعدته. فكتب إلى الصديق الثاني الذي لم يجد عملا فيغربته يطلب إليه فيها أن يمده بشيء من المال.
وكان الصديق الذي لم يجد عملا بعد قد تسلّم المال من حامد. وما إن وصلتإليه رسالة صديقه حتى أرسل إليه كل المال الذي تسلمه من حامد. وعندما وصلالمال إليه وجد أنه المال الذي سبق له أن أرسله إلى صديقه حامد.
وهنا ترك المكان الذي يعمل فيه وعاد إلى المدينة وزار أول من زار حامداً. وفوجئ حامد بعودة صديقه. فكان لقاء من أطيب ما عرفه الصديقان من لقاءات،وقال الصديق لحامد: أتعرف ما وصلنا من صديقنا البعيد؟ وصلني المال الذيأرسلته إليك.
وهنا عرف الصديق ما فعله حامد بالمال، فأكبر فيه صداقته، كما أكبرا معاصداقة صديقهما الغائب.
ومرّت فترة قصيرة، وعاد الصديق الغائب إلى المدينة. وكانت حال كل منهم قدتحسّنت، فعادوا إلى الحياة التي عاشوها من قبل. وهكذا عرفت فيهم هذه الدنيامثال الصداقة والنبل والوفاء.