- إنضم
- 15 سبتمبر 2010
- المشاركات
- 45,365
- العمر
- 39
- الإقامة
- تلمسان
- هواياتك
-
كرة القدم، الشطرنج، كتابة الخواطر، المطالعة
- وظيفتك
-
موظف بقطاع التجارة
- شعارك
-
كن جميلا ترى الوجود جميلا
بـــائـــــع الـــصــــحــــف
في مدينة كمدينتنا، ما أكثر ألوان الحياة، حيث يلتقي الفقر بالغنى، والجمالبالقبح، وسرعة الزمان ببطئه .في مدينة كهذه المدينة شارع طويل، يقف عند زاوية من زواياه صبيّ لم يبلغالعاشرة من عمره، يبيع كل صباح الصحف التي تصدر من مطابع المدينة.كان هذا الصبي حاد الذكاء، طيّب القلب، دافئ اللسان. غالبا ما يمر قبلوقوفه عند زاوية الشارع بأبواب البيوت، ويضع عند قبضة مفتاحها الجريدة، ثميعود عند المساء ليأخذ ثمنها من صاحب كل بيت.كانت كل صباح تمر من قرب بائع الصحف فتاة حسناء فتشتري منه صحيفة وتدفع لهثمنها وتكمل الطريق .وجاء يوم لم تقع الحسناء على أي أثر لبائع الصحف الصغير. ففكرت أول الأمرأنه قد يكون وجد مكانا أفضل من هذا المكان ليبيع الصحف فيزداد ربحه ويأمنشر الجوع.ولكن أي مكان أفضل من هذا المكان؟ فهو طالما أخبرها أن هذه الزاوية منالشارع أفضل مكان لبيع الصحف في المدينة.إن في الأمر سر إذن! ربما يكون الصبي قد مرض، أو ربما يكون أخوه الصغير قدأصابه ضرر. وكان الصبي قد أخبرها يوما عندما طلبت منه أن يرافقها إلى بيتهاحاملا معها بعض الحاجيات التي أحضرتها من السوق، أن والديه متوفيان وأن لهأخ أصغر منه يرسله إلى المدرسة، وهو الذي يؤمن له كل شيء من أقساط وثيابوطعام وملابس وكتب. وباتت هذه الفتاة الحسناء تمر يوماً بعد يوم بهذهالزاوية علها تجد بائع الصحف الصبي، ولكن عبثا.....وفي مساء يوم بينما كانت واقفة وراء نافذتها تشاهد الغيوم وهي تتلبّد فيالسماء، والليل قد حل، انهمر المطر بغزارة. وكان للبرق ضوء يخطف الأنظاروللرعد صوت يصمّ الآذان. وإذا بريح هوجاء تهبّ، فتجعل الأشجار تنحنيوالأشياء الخفيفة الصغيرة في الشارع تتطاير. فخطر ببالها ذلك الصبي، بائعالصحف، فتمنّت لو أنها تعرف أين يسكن. وراحت تمر في خاطرها صور حزينة تتصورمن خلالها أنه مريض هو وشقيقه الصغير، وأن لا أحد لديهما يساعدهما. فماشعرت إلا ودمعة حارة سقطت من بين أجفانها وراحت تنساب على خدها بهدوء.
تساءلت الفتاة بصمت: ولكن ما تفيد هذه الدمعة؟ إنها لا تقدم شيئا لهذاالصبي ولا لأخيه الصغير. فلا يكفي أن نحزن لمصير الناس وإنما يجب أننساعدهم. وقرّرت أن تفتش عن كوخ بائع الصحف وفي أي حي يقع، وأي طريق يجب أنتسلك وهل تستطيع أن تبدأ الآن في غمرة هذه العتمة وهذا المطر الغزير أمالأفضل أن تنتظر إلى الغد؟غير أنها قررت أن تبدأ فوراً وقالت لنفسها: يجب أن أبدأ، فإن أول الخيط فييدي. فلقد أخبرها يوما أنه يقطن في حي يقع غربي المدينة حيث تكثر الأكواخوالبيوت التي تعيش فيها العائلات الفقيرة، وأن الصنوبرة الكبيرة هناك غالباما كانت مسرحا للعبه وهو صغير.
ارتدت معطفها ونزلت إلى الشارع يرافقها شقيقها الأكبر، ومضيا في سيارة منالبيت إلى الحي الذي يسكن فيه بائع الصحف. وما إن وصلا حتى بدآ يبحثان عنالصنوبرة الكبيرة. وما إن وجداها حتى سألا عن بائع صحف صبي له أخ صغير... فكان أن دلّهما أحد الشيوخ على كوخ هو بيت بائع الصحف. وأسرعا إلى الكوخودقّا على الباب، ثم دخلا. ويا للمفاجأة! بائع الصحف قابع في الزاوية وأخوه قربه نائم في فراش بال،وقد لفّه بثياب لم يعد يعرف لونها . شده بائع الصحف لرؤية الفتاة الحسناء. وإذا بعينيه تتساقط منها دموع كثيرة. فقالت الفتاة : "هل أخوك مريض؟ "
أشاح بوجهه عنها وغرق في البكاء. وعرفت الفتاة أن الصغير مريض... فطلبت منأخيها أن يحمل الصغير، وقالت للبائع أن يرافقها إلى منزلها حيث يمكنهالاعتناء بأخيه حتى يشفى من هذه الحمّى التي ألمت به.نهض بائع الصحف ململماً نفسه في حزن ورافق الفتاة الحسناء إلى السيارة التيأوصلتهم إلى منزلها. وهناك عرف الدفء لأول مرة في حياته.
مرت أيام قلائل وإذا بالصغير يشفى من الحمّى وتعيده الفتاة الحسناء إلىالمدرسة.
أما بائع الصحف فقد عاد إلى عمله عند تلك الزاوية من شارع المدينة . إلاأنه لن يعود بعد ذلك إلى الكوخ، فلقد قدّمت له الفتاة الحسناء غرفة صغيرةفي منزلها.
وها هو كل مساء يذهب إلى مدرسة مسائية ليتعلم كيف يواجه الحياة، وليتعلم منخلال بيع الصحف كم هو بحاجة ماسّة أن يكون متعلماً... وغالبا ما كان يرددبفخر: ليس هناك مهنة غير شريفة، بل هناك أناس غير شرفاء .