قصة الاشجار تنهض من جديد

الافق الجميل

تاج المنتدى
الإدارة
إنضم
15 سبتمبر 2010
المشاركات
45,367
العمر
39
الإقامة
تلمسان
هواياتك
كرة القدم، الشطرنج، كتابة الخواطر، المطالعة
وظيفتك
موظف بقطاع التجارة
شعارك
كن جميلا ترى الوجود جميلا
الأشجار تنهض من جديد

وقف أبو حمدان على شاطئ البحر، يحدّق في الأمواج الصاخبة وهي تصفع وجه الصخور بقسوة، وتساءل في نفسه:"لماذا يغضب البحر؟ هل يغضب من المحتلين الذين دنّسوا وجهه ببوارجهم الحربية، أم أنّهُ غاضب منّا؟ "كم لعبنا معه، وارتمينا في حضنهِ الرّائع، وكم غنينا معه الأغاني السعيدة؟!".
استرسل أبو حمدان في خواطره، كان وجهه الحزين جافاً، برزت فيه لحيته النّامية كالعشب اليابس! وكانت البساتين من خلفه مساحة من السواد القاتم؛ لقد أحرقها الصهاينةُ بحجة اختباء الفدائيين العرب فيها، ووجود مستودعات ذخائرهم الحربية!!
لم يكن يحزنه احتراق بستانه الذي أنفق عمره في العناية به وحسب! لكنّه تذكّر أولاده.. كم وعدهم بالملابس الجميلة والألعاب والحلوى والقصص المصّورة، بعد بيع المحصول القادم؟! ماذا يستطيع أن يعمل؟
الأشجار تقف محروقة متفحمة، الفواكه أُتلفت، الأولاد هاجروا عن القرية، والصهاينة يعيثون فساداً في كلّ مكان!! هاهو يقف وحيداً جانب الشاطئ، لا يدري ما العمل؟!
جاءت موجةٌ قويةٌ لطمت الصخور بعنف، امتلأ وجه أبي حمدان بالرذاذ البارد؛ مسح وجهه، لامست أصابعه المبللة شفتيه المشققتين، شعر بملوحة قارصة، كزّ على شفتيه، ثم التفت بعينيه الغائمتين صوب البساتين، فرك عينيه كأنّه يخفي دموعه، توجّه إلى بستانه، وقال بصوت مسموع:
ـ "اليدان اللتان تحسنان الزّراعة تحسنان حماية ما تزرعانه"…
اقترب من الأشجار المحروقة والأسى يعتصر قلبه، كانت الأشجار تبدو قاماتٍ داكنةً مغروسةً في هذه الأرض!! نقل بصره من شجرة إلى أخرى؛ مثل من يبحث عن شيء مهمٍ فقده، فجأة ارتسمت ابتسامة عريضة على شفتيه، ماذا حدث؟!
لقد كانت بضع شجيراتٍ صغيرةٍ غضّة ترفع رؤوسها عند أقدام هذه الأشجار السوداء المتفحمة، لم يدرِ ماذا يفعل، كان مثل من مسَّهُ سحرٌ، دهش، ركع جانب شجيرة، حضنها برفق، وقبلّها كأبٍ يقبِّلُ ابنه الصّغير بعد غيابٍ طويل!!
التمعت عيناه كنصل سكين، وهو يقول:
ـ "الأشجار تنهض من جديد، وعليّ أن أنهض أيضاً".. ثم توجّه نحو القرية يبحث عن رجال المقاومة!..
 
أعلى أسفل